• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أبعاد ومخاطر الاغتراب السياسي في العراق

علي مراد العبادي

أبعاد ومخاطر الاغتراب السياسي في العراق

تتعدّد التعاريف والمفاهيم التي أتت على تناول الاغتراب كمفهوم عامّ والاغتراب السياسي بصورة خاصّة، إلّا إنّنا نحاول هنا توضيح المفهومين، فالاغتراب بالدرجة الأساس هو شعور الفرد أو إحساسه بوجود حاجز أو عائق ما بينه وما بين محيطه، أو ما بينه وما بين الشبكة الاجتماعية من حوله ممّا يولّد ضعف أو انقطاع أواصر التواصل ما بين الاثنين، ممّا يؤدِّي إلى الإحباط عند عجزه عن إيجاد دور حقيقي يمارسه سواء في العائلة أو المؤسّسات المحيطة به.

أمّا الاغتراب السياسي فقد جرى تناوله من كبار المفكرين فمثلاً (هيجل وماركس) قد وصفوه بأنّه اغتراب الفرد في شبكة علاقاته مع مؤسّسات الحكم والدولة، إذ إنّ الفرد في الدولة يشعر أنّه غير قادر على التأثير في النظام العامّ، وإنّه يُدفَع إلى الهامش، ويشعر أنّه مقموع، ولا يجد قناة لينشط من خلالها ويؤثّر على النظام.

 وهذا الإحساس ينجم من جرّاء عجز الفرد عن أحداث أي تغيير على مستوى النظام السياسي أو السلطة بشكل عامّ ممّا يولّد شعوراً محبطاً يجعل من الفرد رافضاً لأي سلوك أو اهتمام متبادل ما بينه وما بين العمل السياسي بل دائماً ما يرفض التعاطي مع التطوّرات السياسية كالمشاركة الانتخابية أو التظاهرات أو إبداء الرأي لرسوخ فكرة الاغتراب في ذهنه وانعزاله تماماً عن أية فعاليات اجتماعية وسياسية.

 والاغتراب هنا يكون على نوعين (العجز السياسي والسخط السياسي)، ونحتاج للتمييز ما بين الاثنين ففي الحالة الأُولى يلجأ الفرد للاغتراب السياسي ليس بمحض إرادته وإنّما نتيجة الظروف المحيطة به التي تفرض عليه ذلك نتيجة لتسلّط النظام الحاكم أو الروتين القاتل أو احتكار السلطة وانعدام التبادل السلمي وضعف المؤسّسات وانعدام الخدمات، أمّا النوع الثاني أي السخط السياسي فعادة ما يلجأ إليه الفرد بإرادته وبصورة طوعية وفقاً لتكوينه السيكولوجي أو طبيعة اهتماماته أو ميوله فتراه دوماً يمثّل الحالة السلبية والانتقادية للنظام السياسي ومؤسّساته.

على وفق ما ذُكر آعلاه فإنّ المواطن العراقي وفي ظل التحوّل الديمقراطي والشروع بالعملية السياسية الجديدة يعاني من الاغتراب السياسي نتيجة للمعطيات التالية:

1- يتوالد شعور لدى أغلب المواطنين لاسيّما الشباب منهم بعدم المقدرة على أحداث تغيير أو إنّهم غير مؤثرين على القرارات الحكومية التي يصدرها صانع القرار وبالتالي تحولهم إلى متلقين يزيد من فرصة اعتزالهم عن الفعاليات الاجتماعية والتطوّرات السياسية.

2- في ظل مجريات الأحداث في العراق ظهرت نخبة حاكمة وأغلبية محكومة هذه النخبة تعيد نفسها بمسميات جديدة وهو احتكار للوجوه ذاتها ممّا يبعث برسائل سلبية نحو فقدان الأمل بتحقيق الطموح السياسي أو إعادة اندماج المواطن مع بيئته السياسية.

3- قلة المشاركة الانتخابية ففي كلّ دورة انتخابية نرى ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع بينما كان يفترض اتّساع المشاركة لإحداث التغيير المنشود وربّما الموضوع مدروس ومخطط له لإعادة إنتاج القوائم ذاتها وهذه الخاصية وضعف المشاركة هي أعلى درجات الاغتراب السياسي نتيجة شعور الفرد بأنّ الموضوع لا يعنيه؟

4- الإحباط نتيجة انعدام الخدمات واستشراء الفساد السياسي وحالات الفقر وارتفاع معدلات البطالة جميعها أسباب تؤدِّي إلى ابتعاد الفرد عن البيئة.

ولا يمكن الاستهانة بمخاطر الاغتراب السياسي والذي يظهر جلياً كلّما ابتعدت القرارات الحكومية عن تلبية طموح الجماهير، وفي مقابل ذلك تقل حالات الاغتراب كلّما ازدادت القرارات قُرباً من الشعب.

 وعلى هذا المنوال يحتاج صانع القرار السياسي العراقي لتدارك المخاطر والعمل على اندماج المجتمع مع محيطه السياسي والاجتماعي، وأن تكون القرارات بمستوى الطموح وتلبّي احتياجات القاعدة الشعبية لفسح المجال أمام عامّة المواطنين لاسيّما الشباب منهم في إدارة الشأن العامّ، وإعادة إحياء الروح الوطنية للمساهمة بتطوير رابطة المواطنة الفعّالة لدى الأفراد واستثمارها في بناء الوطن.

ارسال التعليق

Top